في مشهد رائع، تقف ثلاث جامعيات من ولاية بشار وهن تحملن مشروعا يعتبر الأول من نوعه في الجزائر وحتى خارجها. فبعدما آمن بقدراتهن وأطلقن العنان لأفكارهن، أسفر ذلك عن فكرة مشروع يتضمن تحويل نفايات البلاستيك إلى مواد لبنات الآجر وبلاط لتزيين الأرصفة والطرقات.
مداني بشرى إسلام (ماستر فيزياء طاقوية وطاقات متجددة)، موساوي خديجة (مهندسة في الميكانيك وتقني سامي في المحاسبة) زهرة بلمير (مسؤولة تسويق في شركة «إ آف برايت»)، جامعيات من ولاية بشار، ابتكرن مشروعا يستهدف القضاء على نفايات البلاستيك وتحويلها إلى لبنات الآجر وبلاط لتزيين الأرصفة والطرقات، تحقق المشروع وتم إنتاج كميات من الآجر وحجارة الرصيف، لكن توقف فجأة، وخيّم الاكتئاب عليهن.
لن نترك شيئا من نفايات البلاستك
تروي بشرى بدايتهن مع المشروع، فتقول: «كنّا مجموعة من الجامعيين من مختلف التخصصات، تخرّجنا من دار المقاولاتية، بعد تلقينا لعدّة تكوينات، تتعلّق بإيجاد فكرة المشروع، وكانت في البداية عبارة عن شيء نظري وليس تطبيقي.
قمنا بانشاء شركة أطلقنا عليها إسم «اي اف برايت»، وهي شركة طلابية تأسّست في 13 مارس 2019، في إطار مسابقة إنجاز الجزائر، متخصّصة في صناعة مواد بناء صديقة للبيئة، وذلك بدمج البلاستيك للتقليل من نسبته في الطبيعة، وتوفير منتجات ذات جودة عالية، تحصّلنا على المرتبة الأولى محليا كأحسن مؤسسة ناشئة (ستارت آب).
بعد ذلك كانت لنا الفرصة لنشارك في مسابقة إنجاز الجزائر التي احتضنتها مشتلة بشار، وبعد تصفية الفكرة وجدنا أساتذة ساعدونا ومهندسين وتقنيين، ومنحونا آلات ومكانا للعمل، رفعنا التحدي لنجسّد فكرتنا التي آمنا بها ودخلنا مرحلة تجسيد واختبار المواد التي نستخدمها، في البداية اعترضننا عوائق، من حيث أنّنا فتيات يقتحمن مجال البناء، وكوننا من اختصاصات أخرى».
سخروا من فكرتنا وراهنوا على فشلها..لكننا لم نلتفت
«بدأنا في جمع البلاستيك، وبعد عدة محاولات وتجارب، تمكنا من إنجاز لبنات الآجر وبلاط لتزيين الأرصفة والطّرقات، وكان ذلك بالنسبة لنا نتيجة مذهلة، خصوصا أنّ منتجنا غير متوفّر في السوق الجزائرية، ويتميز بالقوة والجودة والصلابة»، تواصل بشرى حديثها، «شاركنا بهذا المنتوج في مسابقة إنجاز الجزائر،
وتحصلنا على المرتبة الحادية عشر وطنيا من بين 48 مجموعة شاركت من مختلف ولايات الوطن.
ويعود السبب لحصولنا على هذه المرتبة هو أن المسابقة اشترطت تسويق كمية معينة من المنتوج، وهو ما لم نستطع فعله بحكم عدم توفرالمال، وكان السبب الذي جعلنا نتدحرج إلى المرتبة الحادية عشر».
أجبرتنا الظّروف على بيع بقايا الخبز
تقول بشرى: «موّلنا المشروع في بدايته بمنحتنا الجامعية، وكنت أنا مسوؤلة المشروع، متخرّجة من الجامعة قبل سنة وعاطلة عن العمل.
ذهبنا إلى مشتلة المؤسسات ببشار، وقدّمت لنا المساعدة فيما يتعلق بالجانب الإداري، ولأنّنا لم نتمكّن من توفير المبلغ الكافي لتمويل مشروعنا، الذي تقدّر تكلفته بحوالي 3 ملايير سنتيم، قمنا بتجميده، في انتظار حصولنا على الدعم».
تشير بشرى إلى أنّ أحد الدكاترة، وهو من دولة تونس، ومقيم بفرنسا، أعجب كثيرا بالمشروع، واستغرب كيف تضيع هذه الفكرة ولا تجد من يقدم لها الدعم لتتجسّد على أرض الواقع.
وقالت: «تمّ تكريمنا من قبل وزارة البيئة، وكان ذلك التكريم الذي حظينا به في المسابقة الوطنية للمدينة الخضراء، كدافع لنا، في وقت لم نتلق أي دعم مالي أو حتى معنوي من الجهات المعنية في ولايتنا، ولو بمبلغ بسيط ندفعه لسيارة تاكسي لنسافر الى الجزائر.
وهو ما حزّ في نفسي وأجبرت إلى أن أبيع الخبز اليابس لأتمكن من توفير مبلغ وسيلة النقل والسفر إلى الجزائر العاصمة للمشاركة في المسابقة».
وترى المتحدثة أنه في ظل انعدام حاضنة لتمويل المشاريع، في ولاية بشار، كما هو الحال في ولايات أخرى قامت بتمويل عدد من مشاريع الشباب، ورافقتهم حتى في تعثّراتهم، وختمت حديثها قائلة: «نطلب من الدولة أن توفّر لمجموعتنا التكوين المتخصص في مجال تسيير المؤسسة، في المجالات المتخصصة بمشروعنا، وذلك لكون التكوينات التي تقدّمها المشتلة عامة، ومشروعنا تطبيقي يحتاج إلى تكوينات متخصّصة، في تسيير المواد وتسيير الإنتاج، خصوصا أنّه من بين الأسباب التي حالت دون نجاحنا في المسابقة الوطنية هي انعدام المموّل لتجسيد مجسّم المشروع بصفة احترافية على غرار المتسابقين الآخرين، الذين تمكنوا من إيجاد مموّل لأفكار مشاريعهم، حيث قدموها بصورة أفضل».
تقول بشرى: «أشير إلى أنّنا قد قمنا بالدراسة الأولية بمالنا الخاص، أما الدراسة المعمقة لتجسيد المشروع، فتكلفنا حسب الاختصاصيين 50 ألف دينار، ونحن لا نملك هذا المبلغ، لكوننا طالبات متخرّجات حديثا، وعاطلات عن العمل».
رهان على جودة الإنتاج ونجاح المشروع
خديجة تقول إن هذا الآجر، يستوفي خصائص جيدة، حرارية، اقتصادية وإيكولوجية صديقة للبيئة، وعند استخدامه في بناء المنازل، يعطي جوّا معتدلا، بحيث يقلّل من استعمال المكيفات في الشتاء، والمبردات في فصل الصيف، بالإضافة إلى أسعاره المنخفضة مقارنة بغيره من أنواع الآجر المعروضة في السوق، وتضيف، أما عن بلاط الأرصفة والطرقات «البافا» فلديه خاصية المرونة والمقاومة، ويمكن استعماله في المطارات، تواصل خديجة حديثها، فكرنا في صنع آلة خاصة لإنتاج هذا «البافي»، خاصة وأنّي مختصة في الميكانيك، لكن مشكل التمويل كان عائقا كبيرا بالنسبة لنا، رغم أن أحد المقاولين من ولاية تيزي وزو إتصل بنا وعرض علينا تمويل المشروع، لكنه اشترط علينا أن نكون مجرّد موظّفات..ونحن صاحبات المشروع.
أما مسؤولة التسويق زهرة بلمير، فتطالب الدولة بأن تمنحهن قطعة أرض خارج المدينة لبناء المصنع، خصوصا أن ولاية بشار تمتلك مساحات من الأراضي التي يمكن استغلالها في إطار الاستثمار، وتقول بأنها تراهن على نجاح المشروع.
التّشجيع يعطي دفعة نحو الابداع
الطّالبات الثلاث أجمعن على أنّ الاهتمام بالمبادرات يشجّع على الابداع، ويطلّق سراح الأفكار المحبوسة، ويمنح شحنة كبيرة من التفاؤل، وأكّدن على أنّ المشروع يضرب أكثر من عصفور بحجر، ويقدم اضافة كبيرة للتنمية، من حيث أنه يساهم في القضاء على النفايات، ويفتح مناصب شغل للشباب ليبقى معلقا في انتظار التمويل الذي طال كثيرا انتظاره.
عباسي محمد رضا مكلف بالاتصال على مستوى مشتلة المؤسسات ببشار، وباعتباره أحد المستشارين والمؤطرين لمسابقة إنجاز الجزائر وبرنامج الشركة، يرى أن هذا المشروع ذات أهمية كبيرة في الولاية، والمنتوج حقق نجاحا من حيث التقييم، لكنه لم يجد التمويل ممّا وقف حائلا في طريق التجسيد.